بسم الله الرحمن الرحيم
– قال أبو عيسى الترمذي رحمه الله حدثنا الحسن بن عرفة، قال: حدثني عبدالرحمن بن محمد المحاربي، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك).
– الشح في الأوقات طريق النجاح والفلاح، وإعمار الدنيا طريق إعمار الآخرة، وأعمار هذه الأمة سريعة الانقضاء، تطوى الأيام فيها طياً، وتسير سيراً، ومع تلك السرعة المتداولة أصبح عامل الوقت بساعاته ودقائقه وثوانيه هو الاستثمار الحقيقي.
– كل ما نحتاج إليه كوب من القهوة الساخنة المقطّرة، وارتشاف متأن، وسكون تأملي، وتكرار نظر في الملكوت الكوني، مع عصف ذهني، لاستخراج الأهداف وإعداد رسالة الحياة، {وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر} النحل.
– وصلنا إلى مرحلة متقدمة في فنون إضاعة الأوقات تحت طائل لا ينقضي من التأويلات والتسويغات! ينبغي أن نتجاوز في خطابنا ادعاء الشدة مع النفس وزعم التضييق عليها، وأن نكون صادقين في التربية والتزكية والمكاشفة، وفي حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: (إذا أتى عليّ يوم لا أزداد فيه علماً، فلا بورك في طلوع شمس ذلك اليوم) الطبراني في الأوسط.
– رأى رجل مع الإمام أحمد بن حنبل محبرة، فقال له: أنت قد بلغت هذا المبلغ، وأنت إمام المسلمين، ومعك المحبرةُ تحملها! فقال كلمته المدوية “مع المحبرة إلى المقبرة” مناقب الإمام أحمد.
– المرحلة الثانوية والجامعية هي المراحل الذهبية للتحصيل والطلب، والصدق فيهما يسري لما بعدهما من المراحل العمرية، قال ابن الجوزي:”ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه، وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ويقدم الأفضل فالأفضل من القول والعمل” صيد الخاطر.
– للنفس الإنسانية أغوار بعيدة، ولها من الطرق في معالجة هذه الأغوار من المكائد ما لا يخفى! فالراحة واللهو والإشباع والاستجمام الوقتي أوهام تمليها النفس في قالب النصح خشية الفتور، وأحياناً في قالب الحق خشية الانقطاع، ثم لا تلبث أن تكون عادة يصعب الخروج منها!
– الاسترسال مع دوافع النفس ومطاوعتها يجعل الإنسان في دوامة لا ينبعث منها إلا بالوقفة الصارمة مع سوط اللوم!
– تنازل الإنسان لطلبات النفس وشهواتها، يُحدِث شرخاً في أسوار الممانعة، وقد قال الملهم عمر رضي الله عنه: “أو كلّما اشتهيت شيئاً اشتريته”! أحمد في الزهد.
– لابد أن نعترف بأن العالم الكبير الذي أصبح قرية صغيرة في هواتفنا الذكية أحدث نقلة نوعية في حياتنا ونمط معيشتنا، وبرامج التواصل الاجتماعي بأنواعها شكل من أشكال الوأد الخفي لأوقاتنا، يقول الحسن: “أدركت أقواماً كان أحدهم أشحَّ على عمره منه على دراهمه ودنانيره”. الزهد لابن المبارك.
– ضياع الأعمار بالقيل والقال، وكثرة مجالسة الخلان التي لا تعود على الإنسان بالإعمار، يجب أن يكون مستهجناً مستقبحاً في العقل اللاوعي، يقول سيف اليماني: “إن من علامة إعراض الله عن العبد أن يشغله بما لا ينفعه”. طبقات المحدثين بأصبهان.
– (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) الترمذي، تتعارض وتتصادم بممارساتنا اليومية، وهدر الأوقات بمتابعة ما يحدث في شوارع العالم وأزقته: وجه من أوجه ذلك التعارض الذي نقطع به أعمارنا بمشرط التوافه.
– لابد من تفعيل سياسة الحرمان على كل سارق للوقت بالقاعدة النبوية (ويحك! لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه) مسند أحمد.
– ينبغي أن نستثمر أوقاتنا ونشح فيها حتى تكون كفسيلة صغيرة نتعاهدها بالسقي والعناية؛ لتكون عادة مطردة لا يرد عليها قادح من قوادح النقض، يقول ابن القيم في مدارجه: “لو توكل العبد على الله حق توكله في إزالة جبل عن مكانه، وكان مأموراً بإزالته لأزاله”!
– (صدق سلمان)!
إعطاء كل ذي حق حقه من الواجبات ومن ورائها المستحبات توازن مطلوب وامتثال واقعي لإقرار النبي صلى الله عليه وسلم وتصديقه: (إن لنفسك عليك حقاً، ولربك عليك حقاً، ولضيفك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه) الترمذي، وإنما يُؤتى الإنسان من عدم توازنه، والإغراق إلى حد التشبع بالمباحات.
– استجلاب البركة الإلهية بالمراوحة بين العبادات وما يعود على الإنسان بالنفع من أهم العوامل المعينة لتحصيل بركة الوقت،
بر الوالدين،
بذل معروف،
صلة رحم،
بشاشة في وجوه الخلق،
إغاثة ملهوف،
إعانة على نوائب الدهر،
بذل علم،
صدقة على محتاج،
إرادة الخير من حيث هو خير من أهم عوامل تحصيل العون الإلهي، وباب من أبواب الجنة يُدعى إليه العبد على رؤوس الخلائق، (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) مسلم.
– استصناع الفرص واستحداثها، تشطير الفكرة وتقسيمها، هو حجز الزاوية للوصول للمبتغى.
– جدولة الأعمال وتقسيم المهام على ساعات اليوم والليلة مع مزجها بشيء من مرونة التقديم والتأخير، كفيل بتحقيق الأهداف والغايات.
ختاماً:
“ما مضى من الدنيا أحلام، وما بقي منها أماني، والوقت ضائع بينهما”. الفوائد
يقول سعد بن معاذ رضي الله عنه وجرحه يثخن: (اللهم إن كنت أبقيت على نبيك من حرب قريش شيئاً فأبقني لها …) أحمد.
ف”اللهم إن كان في العمر بقية فحقق الغاية، وامنح البركة، وأمدنا بعون لا ينقطع، وآونا إلى الركن الشديد”.